بيشكيك، 15 أكتوبر 2025 /قابار/
دفعت الواقع الجيوسياسي الجديد دول أوراسيا إلى تطوير شبكة نقل إقليمية متكاملة. وتشكل الطرق البرية والسكك الحديدية، المربوطة ببعضها عبر تقاطعات مناسبة، شبكة من طرق الشحن التي تتكامل مع المراكز اللوجستية والمحطات والبنية التحتية المصاحبة.
ويشهد هذا المشروع الدولي غير المسبوق من حيث الحجم، حيث تحتل آسيا الوسطى موقعاً محورياً فيه، بداياته حالياً، إلا أن المسارات المشغّلة عبر المنطقة تظهر بالفعل زيادة كبيرة ومستدامة في حركة البضائع العابرة بين دول القارة.
ووفقاً لتحليلات بنك التنمية الأوراسي، فقد ارتفع حجم البضائع المارة عبر المنطقة بين 2020 و2024 بنسبة 70%. ويشير الخبراء إلى أن هذه ليست زيادة مؤقتة، بل اتجاه طويل الأمد، مع وجود حاجة لتوسيع القدرة الاستيعابية للممرات لتعزيز التجارة وتسريع وخفض تكاليف النقل الدولي.
ويؤكد البنك أن مشاريع النقل تتطلب استثمارات كبيرة. فقد شهدت الخمس سنوات الماضية ارتفاعاً مضاعفاً في التجارة الخارجية لدول آسيا الوسطى مع الصين، وزيادة تدفقات النقل العابر بنسبة 70%، لكنها البداية فقط. وتحتاج المنطقة، المعزولة عن البحر وبعيدة عن الأسواق العالمية، إلى بنية تحتية نوعية تصل قيمتها إلى نحو 53 مليار دولار بحلول 2035، يُخصص جزء كبير منها لمشاريع النقل، خصوصاً في محور الشمال – الجنوب، بما في ذلك الممر الشمالي – الجنوبي والممر العابر لأفغانستان، مما يفتح آفاقاً جديدة للتجارة مع دول الخليج وجنوب آسيا، حسبما أشار يفغيني فينوكوروڤ، نائب رئيس مجلس إدارة البنك الاقتصادي الرئيسي.
وتحتل سكك الحديد الصين – الجمهورية القرغيزية – أوزبكستان مكانة خاصة ضمن مشاريع التنمية الإقليمية، نظراً لتكلفتها العالية بسبب التضاريس الجبلية والحاجة إلى تقنيات معقدة مثل إنشاء الجسور والأنفاق، حيث تبلغ قيمة استثماراتها 4.7 مليار دولار، وهي الأعلى ضمن المشاريع الإقليمية.
وتشير بيانات البنك إلى أن حوالي 60% من حركة البضائع العابر تتم عبر السكك الحديدية، وأن 80% من تدفقات النقل العابر تمر عبر كازاخستان وأوزبكستان، فيما تتجه أكثر من 70% من هذه التدفقات بين الصين من جهة، وروسيا وتركيا وأفغانستان والدول الأوروبية من جهة أخرى. ويعتبر الممر الذي يمر عبر الجمهورية القرغيزية محورياً لتقليل الوقت والتكاليف، ما يضمن الطلب المستمر على هذا الطريق وتعزيز الخدمات اللوجستية.
ويؤكد أولوغبيك يريشيف، رئيس مركز أبحاث منظمة شنغهاي للتعاون بجامعة قرغيزستان الوطنية، أن السكك الحديدية عبر البلاد ستخلق نقاط نمو جديدة وتدفع التنمية في آسيا الوسطى. وأضاف: «هذا المشروع مهم اقتصادياً للمنطقة، إذ سيسمح بنقل البضائع بسرعة وكلفة أقل، ما سيحفز التجارة ويجذب الاستثمارات. ستتحول الجمهورية القرغيزية من دولة بلا منفذ بحري إلى محور نقل مهم، وستتمكن أوزبكستان من الوصول سريعاً إلى الموانئ والأسواق، وسيحصل الإقليم كله على دفعة لتنمية التجارة الداخلية وتحسين البنية التحتية».
وتساهم السكك الحديدية في ربط اقتصادات آسيا الوسطى بالنظام العالمي للإمدادات، وتعزز استقلاليتها، وتفتح صفحة جديدة في التنمية الإقليمية، محولة المنطقة من موقع بعيد إلى مركز عبور رئيسي لأوراسيا.
كما تكتسب الخطوط الداخلية الجديدة مثل مسار باليكجي – كوتشكور – كارا-كيتشه – ماكمال – ماناس (جلال أباد) أهمية كبيرة، حيث ستربط بين مناطق الجمهورية القرغيزية وتساهم في تنويع تدفقات الشحن الدولية.
ويتم تنفيذ عشرات المشاريع المماثلة حالياً، لتشكيل شبكة متكاملة من الطرق البرية والسكك الحديدية، تشكل إطاراً نقلياً واسعاً يدعم زيادة حجم التجارة الدولية، ويعزز النمو الاقتصادي المستدام على المدى الطويل.